الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية آدم وحواء بين رجال اﻷديان ورجال العلوم... بقلم الاستاذ عفيف البوني

نشر في  22 جويلية 2016  (19:46)

بقلم الاستاذ عفيف البوني
 
في الديانات التوحيدية، في كنس اليهود وفي كنائس المسيحيين وفي جوامع المسلمين، ومع شيء من اﻹختلافات زيادة أو نقصا، وفي كل التاريخ الموسوي (نسبة إلى النبي موسى) والمسيحي واﻹسلامي، يخطب رجال هذه اﻷديان نفس الخطاب حتى زمن اﻹرهاب عن شخصية آدم وحواء، أبي وأم البشر.
 
 في التوراة خلق الله آدم، ومن ضلع أعوج له خلق حواه، فصارت أم البشر عبر زواجها من آدم، ولم يكن لها خيار آخر كما هو، وفي التوراة عاش آدم 950 سنة، ومجده القرآن فذكره 25 مرة ولم يذكر حواء باسمها بل بصفتها زوجه، وورد في توراة موسى ان الله خلقهما من طين وأسكنهما جنة عدن ومنعهما من اﻷكل من شجرة الحياة، فعصت حواء وأكلت منها فكان عقاب الرب، إخراجهما من تلك الجنة وجعل حواء تعاني من آﻻم الحيض والحمل والنفاس والوضع... وتلك كانت خطيئتها فصارت خطيئة آدم وكل البشر، ندفعها معاناة وعذابات ﻻ تنتهي كما في الدين أو في الواقع، مع اﻹختلاف في التأويل...
 
قصة آدم وحواء في هذه اﻷديان، كما هي مثلا قصة نوح وقصة الطوفان، في النصوص المقدسة، يعرف المختصون من الجامعيين في جامعات العلوم بالعالم المعاصر، وعلى اﻷقل منذ النصف الثاني من القرن 20 م أن مدونات الحضارة العراقية القديمة بالحروف المسمارية، والمحفوظة في متاحف عالمية، قد أوردت قصة الخلق اﻷول عن اﻹنسان اﻷول، وعن الخالق في شكل ابداعات أسطورية في أشور وبابل ونينوى.. ورجال اﻷديان ﻻ يذكرونه ولكن علماء الجامعات هم من وثقوها، ليس من خلال النصوص الدينية والمقوﻻت الغيبية، بل عبر المناهج العلمية والوثائق واﻵثار.. وما جاء فيها ﻻ يختلف اﻻ جزئيا عما جاء اقتباسا في التوراة أو في غيره من النصوص التوحيدية..
 
عند العلماء في جامعات العلم، ﻻ ذكر ﻵدم وحواء ونوح والطوفان.. عندهم في الطبيعة وفي التاريخ، خُلقت الحياة واﻷحياء كما سيأتي ذكره.
 
رجال اﻷديان، ﻻ يتكلمون عن وصف الحب الفريد بين آدم وحواء، حيث ﻻ خيار، كلاهما لم يعرف أبا أو أما، أو يتما أو ترملا، أو تطليقا أو خصاما أو هجرا أو نشوزا، لم يكن لكليهما حب سابق، وﻻ حب ﻻحق، لم يعيشا مرحلة الطفولة وﻻ المراهقة، لم يخجل أي منهما وهو يرى عورة اﻵخر وعورته مكشوفة له أيضا، العراء عندهما لم يكن تبرجا وإباحية وﻻ قلة حياء كما يقول رجال اﻷديان اليوم، ﻷنه لم تكن هناك بعد ثقافة وﻻ قانون وﻻ رجال دين وﻻ مجتمع مدني وﻻ دولة يحكمها خليفة متقيصر، لم تكن هناك موضة الحجاب وﻻ النقاب...
 
في جامعات العلم، وبغض الطرف عن ديانات الطلبة في جامعات العلوم، الجامعيون المختصون في العلوم الطبيعية أو اﻹجتماعية واﻹنسانية، ﻻ يرددون ما يقال في الفضاءات والكتب المقدسة، حتى ﻻ يخونوا عقولهم ووظيفتهم وشرفهم، هم عوضا عن آدم وحواء، يحاضرون ويبرهنون باﻷدلة من الوثائق واﻵثار من التاريخ وقوانين الطبيعة.
 
 ما أثبته العلم عن "جدنا الأول"، واسمه العلمي homo erectus والذي ظهر قبل اﻵن بحوالي 2 إلى 3 مليون سنة، أنه تطور ببطء وتدرج من الحيوانية اﻷولى من زمن تشكل البكتيريا قبل حوالي 4 مليار سنة الى أن تشكلت أنواع اﻷحياء ومنهم نوعنا، وتطورت قدراته الجسدية والذهنية بما صار لها من البنيات والوظائف الراقية أي اﻹبداعية، ومنها القدرة اللغوية قبل 100 ألف سنة تقريبا..
 
والكائن الحي/الجد من نوعنا مقدر له في العمر البيولوجي اﻹفتراضي، يعيش ما بين لحظات أو أيام او عقود حتى حوالي 100 سنة، وهو كائن، حسب العلم، تطور ونطق، تعقل، وتمنطق، وتكلم، وثقف نفسه وصنع ثقافته وحضارته ونمط عيشه... أي هو صنع أو أبدع نفسه، وغيّر ﻷنه تغيّر وسيطر على قوانين الطبيعة وسخرها له كما فعلت شعوب الغرب والشمال..
 أدعو أصحاب القرار في تونس الديمقراطية والدولة المدنية، أن تنظم رحلة علمية لرؤساء اﻷحزاب التونسية التي تقدم نفسها بالصفة الدينية أو تنادي بالشريعة وحكم الخليفة /القيصر المسلم، ومعهم بعض اﻹرهابيين الموقوفين الذين قتلوا أبرياء باسم "الجهاد" وقد غُرر بهم، إلى زيارة منظمة وجماعية ومؤطرة من طرف مختصين لمتحف التاريخ الطبيعي للإنسان Musee de l'HOMME  في قصر Chaillot  بميدانtrocaderoT بباريس او في عواصم أخرى، فلعل هؤﻻء  يقتنعون أنهم في غير الزمان والمكان..
 
وبذالك يمكن أن تبقى المقدسات محترمة والعلوم في خدمة التنمية والتعايش معا في أمن وسلم، وعلى هؤﻻء إن شككوا في ما شاهدوه، عليهم تسفيهه أو علينا تسفيههم بالدليل الملموس من التاريخ والواقع وليس من الغيب، كما هم يتوهمون.
 
تبقى كل المعتقدات صالحة، إن هي لم تتورط في تسفيه العلم بغير وسائل العلم. وأما العلم فلا يعلى عليه، منذ حوالي 5 قرون في تاريخ العالم.